الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فيقول الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) . آل عمران
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ» رواه البخاري
قال ابن القيّم - رحمه الله – وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ. أحكام أهل الذمة (1/ 441)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصا إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار، فرأوا المسلمين قد صاروا فرعا لهم في خصائص دينهم، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص، واستذلال الضعفاء. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 546)
فتهنئة الكفار بعيد الكريسميس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام، لأن فيها إقراراً لشعائر الكفر، فلا يجوز أن يُهنئ المسلم الكافر بعيده؛ والله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، قال الله تعالى: ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ). الزمر
لكن لو أراد المسلم أن يجامل قريبه الكافر أو جاره أو زميله في العمل فلا بأس أن يبدأهم بعبارات لا تعظم أعيادهم كقوله: كل عام أنت بخير يأتي العام القادم وقد حررت أرضنا ومقدساتنا أو أدخل الله السرور عليك أو نحو ذلك من العبارات فهذا من باب المجاملة لا من باب الرضا ويدخل في قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8]
ولا يجوز للمسلم أن يجيب دعوتهم في أعيادهم، ولا يجوز التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات التي تعودوا عليها ولا يجوز تبادل الهدايا ، وتوزيع الحلوى بهذه المناسبات التي لا نعترف بها لأن في ذلك تعاونا على الإثم والعدوان قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } المائدة. أما تهنئتهم بمناسباتهم الأخرى كالنجاح والوظيفة وسكنى الدار وغير ذلك من المناسبات التي لا ترتبط بالأعياد فلا بأس بذلك.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ». رواه أبو داود بسند حسن صحيح
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ , فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى بسند صحيح (9/ 392)
وعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ: " اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللهِ الْيَهُودَ , وَالنَّصَارَى فِي عِيدِهِمْ يَوْمَ جَمْعِهِمْ , فَإِنَّ السَّخَطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ , فَأَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ , وَلَا تَعْلَمُوا بِطَانَتَهُمْ فَتَخَلَّقُوا بِخُلُقِهِمْ " شعب الإيمان (12/ 18)
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ , وَكَانَ لِأَبِي مُوسَى كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ يَرْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ , فَعَجِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَافِظٌ , وَقَالَ: إِنَّ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ , وَكَانَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ , فَادْعُهُ فَلْيَقْرَأْ. قَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. فَقَالَ عُمَرُ أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا , بَلْ نَصْرَانِيٌّ. قَالَ: فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: أَخْرِجْهُ، وَقَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] ، أَلا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا (يعني : مسلماً) قَالَ : قُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ . قَالَ : لا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ ، وَلا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ ، وَلا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ . السنن الكبرى للبيهقي (9/ 343)
وعليه فلا ينبغي للمسلمين أن يتشبهوا بالكفار مهما كان المبرر من مجاملة وغيرها ولا يجوز لنا أن نعود أبناءنا أفعالا تغضب الله تعالى.
وأخيرا أسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين وأن يبصرهم بالحق وأن يبعدهم عن الكفر وأهله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الباري محمد خلة