كلماتٌ غيرت طريق حياتهم !

جهاد حِلِّسْ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أما بعد : كثيراً من العلماء والزهاد والصالحين ، قد من الله عليهم بالهداية والصلاح بسبب كلمة ! ، كان لها وقعاً عظيماً وتأثيراً كبيراً على قلوبهم ، فغيرت مجرى حياتهم ، وصاروا بعدها أئمة في الزهد والعلم والورع فرأيت في جمعها في هذه الصفحة مستعيناً بإخواني ، فائدة لي ، ولهم.

1- قال الفضل بن موسى: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} فقال: يا رب قد آن، فرجع، فأواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، فتاب الفضيل وأمّنهم، وجاور بالحرم حتى مات [تاريخ الإسلام:12/334].

2- قيل لعمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: ما كان بدء إنابتك ؟ قال : أردت ضرب غلام لي ، فقال لي : يا عمر ! اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة . [ المجالسة وجواهر العلم : 2/268 ]

3- سبب إسلام عمر بن الخطاب-رضي الله عنه -: يروى أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة { الْحَاقَّةُ } ،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال : فقلت ـ أي في نفسي : هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال : فقرأ { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } [ الحاقة : 40، 41 ] قال : قلت : كاهن . قال : { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } إلى آخر السورة [ الحاقة :42، 43 ] . قال : فوقع الإسلام في قلبي . كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة . وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال : أين تعمد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمدًا . قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا ؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها : [ طه ] يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة . وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما . فقال له ختنه : يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا . فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى : يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله . فلما يئس عمر، ورأي ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال : أعطونى هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته : إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ : { بسم الله الرحمن الرحيم } فقال : أسماء طيبة طاهرة . ثم قرأ [ طه ] حتى انتهي إلى قوله : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [ طه : 14] فقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد . فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال : أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس : ( اللّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا . فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر ؟ فقال : وعمر ؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال : ( أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم، هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ) ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله . وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد . الرحيق المختوم

4- عن عبد الله بن المبارك -رحمه الله -: قد كان سبب توبته أنه سمع قوله تعالى { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } وقال بلى والله وكان هذا أول زهده طبقات الحنفية 2/529

5- اجتاز داود الطائي -رحمه الله-: على مقبرة وامرأة عند قبر تقول هذين البيتين

تهيج منازل الأموات وجدا .... ويحدث عند رؤيتها اكتئاب منازل لا يجيب حين تدعو .... وعز عليك أنك لا تجاب وكيف يجيب من تدعوه ميتاً.... تضمنت الجنادل والتراب مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ....لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة.... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب

فسمعها فكان ذلك سبب توبته يعني سبب انقطاعه عن الدنيا وأسبابها وانشغاله بالآخرة والاستعداد لها أهوال القبور (ص 280)