حكمُ قولِ: (دير بالك يا الله)

حكمُ قولِ: (دير بالك يا الله)!

راسلنِي أحدُ طلبةِ العِلمِ سائلاً عَن حُكمِ الدّعاءِ الذي انتشرَ على منصّاتِ التّواصلِ الاجتماعيِّ بعدَ اكتشافِ إصاباتٍ بفيروس كورونا داخل قطاعِ غزّة، حيثُ عمَد عددٌ مِن العوامِّ إلى الدُّعاءِ بقولِهِم: (دِير بالَك علينَا يا الله.. إحنَا هبايل)!!

وقَد حرَّرتُ الجوابَ في النِّقاطِ الخمسِ التّاليةِ:

1. إنَّ الدُّعاءَ بهذهِ الصِّيغةِ لا يخلوُ مِن سُوءِ أدبٍ مَع اللهِ تعالَى، وقَد أمرَنا سُبحانَهُ بدعائِه تضرُّعاً وخُفيةً، والتَّضرُّعُ هُوَ التَّذلُّلُ، وإظهَارُ الخُشُوعِ [درج الدرر: 2/717]، وهذِهِ الألفاظُ تُنافِي إظهارَ الخُشوعِ والتذلُّلِ للهِ جلَّ وعَلا، فلا تَليقُ بمقامِ الدُّعاءِ الذِي هو مُخُّ العبادَةِ.

2. لقَد نهَى اللهُ تعالَى عَن الاعتِدَاءِ فِي الدُّعاءِ، فقالَ سبحانَه: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، والاعتداءُ هوَ مجاوزَةُ الحدِّ [تفسير السعدي: 291]، ومِن مُجاوزَةِ الحَدِّ فِي الدُّعَاءِ أن يُسمِّيَ العبدُ اللهَّ جل جلالُه بغيرِ أسمائِهِ الحسنَى، أو يصِفَهُ بغيرِ صفاتِهِ العُلَى، أو يُثنِيَ عليهِ بمَا لَم يُثنِ بِهِ علَى نَفسِهِ، ولم يأذَن فيهِ، ولم يثبُت فِي كتَابِ اللهِ، ولا فِي صحيحِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ أنَّ اللهَّ جلَّ جلالُهُ قَد نَسَبَ البَالَ لنفسِهِ.

3. مِن آدابِ الدُّعاءِ الثَّناءُ علَى اللهِ سبحانَه، والإحسانُ فِي انتقاءِ كلمَاتِ الدُّعاءِ والطَّلبِ؛ لما جاءَ فِي حديثِ جَابِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ) [ابن ماجه: 2144، وإسناده صحيح]، أَي أحسِنُوا [مرقاة المفاتيح: 8/3321]، والدُّعاءُ بهذِهِ الصِّيغَةِ لَا إحسَانَ فيهَ ولا أدَبَ، فيكونُ منهيّاً عنهُ.

4. ليسَ مِن حُسنِ الدُّعاءِ، وَلَا مِن أدبِ الطَّلبِ أن يبدأَ المُسلِمُ دُعاءَهُ بشَتمِ نَفسِهِ، والانتقَاصِ مِن آدميَّتِهِ، ومعلومٌ أنَّ النَّاسَ فِي بلادِنَا قَد تعارفُوا علَى إطلَاقِ وصفِ (الأهبَلِ) و(الهَبَايلِ) علَى الأحمقِ الذِي لا يُدرِكُ الصَّوابَ، ولا يجرِي تفكيرُهُ علَى استقامَةٍ، وفِي ذلكَ منافاةٌ لتكريمِ اللهِ الإنسانَ بالعقلِ والعِلمِ، والتَّضرُّعُ للهِ تعالَى ليسَ معناهُ احتقارَ النّفسِ، وازدراءَهَا وشَتْمَها.

5. إنّ الدُّعاءَ بهذِه الكلمةِ: (دير بالك يا رب) يوهمُ بأنّ اللهَ تعالَى مُهملُنا، أو غافلٌ عنَا، وأنّ الداعِي بهذَا الدُّعاء يطلبُ من اللهِ تعالى أن يلتفِتَ إلينَا، ويتذكّرَنا، ويضعَنا في بالِه، وفي ذلكَ سوءُ أدبٍ مع اللهِ سُبحانه، ومخالفةٌ واضحةٌ؛ *ذلكَ اللهَ جلّ جلالُه، وتقدّست أسماؤه، ليس بغافلٍ عن شيءٍ، ولا يعزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ.

واللهُ تعالَى أعلمُ.

✍️ محمد سليمان نصر الله الفرا
الأحد 11 محرم 1442 هـ
المـوافـق 30 آب 2020 م