يُحدثونك عنها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على رسُولنا الأمين، وبعد،،
قيمة الشورى بين العلماء والدُّعاة عظيمة جداً، ولها أثر في حفظ العلم وخدمته وتطويره، لكنَّ هذه القيمة غابت عن كثير من العلماء والدُّعاة اليوم، فتراهم يزعُمون أن الحق في رأيهم، ويجب على الجميع اتباعه، وبحسن نية قد نفهم أنَّ هذا بحدِّ ذاته من الضَّمان لحفظ الدِّين، وعدم التلاعب في أن يقول في الدِّين كل من يُريد القول بلا فهم ولا علم؛ ومع هذا لا يمنع أن يسمع العالم من غيره؛ فقد يكون غيره في المسألة أعلم منه، بل من رحمة العالم بغيره أن يغرس في الجميع حُبَّ العلم والعلماء، وأن يستمع لهم ويُقيم الحُجَّة عليهم بمنطق الدليل لا بمنطقة التهويل والتخويف، والسلف جميعاً قدّموا الأدب على العلم ، وصحيح أن الإنسان مُلزم بالأدب مع غيره إن كان أكثر منه علماً، أو يساويه، أو أقلَّ منه، وهذا الأخير مُزاحمته للعلماء جعلته في صَفِّهم، ونسي أنه وُجِد ليُساعدهم ويتعلم منهم، لا ليتكلم مثلهم، ومع واجب الأدب في كل الأحوال لا يُعتبر مخالفة هذا العالم أو ذاك، مطيَّة للقول بأن الحق ما زعموا، وخلاف ذلك يجلب الكوارث والزلازل، ويُعيق الأمطار، وهذا كله ينتج عن عدم تفعيل قيمة الشورى بحق، وفي هذا المقام أُذكِّر بأبي حنيفة- رحمه الله- فقد وضع مذهبه شورى بينهم، ولم يستبدَّ فيه بنفسه دونهم، اجتهاداً منه في الدِّين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين، فكان يطرح مسألة لهم، ثم يسأل ما عندهم، ويقول: ما عنده، ويناظرهم في كل مسألة شهراً، أو أكثر، ويأتي بالدلائل ثم يُثبتها الأصحاب في الأصول؛ فإذا كان كذلك كان المذهب الذي وُضِع شورى بينهم أولى وأصوب، وإلى السَّداد والصِّحة أقرب، والقلوب إليه أميل وأسكن وأطيب، وهذه الرواية وغيرها كلها على أساس الشورى، هذا وهم علماء بحق كأبي حنيفة، أو طلبة علم -وهم علماء أيضاً- بحق كتلاميذه، فَيتقوَّى العلم والرأي بالمشورة الحقيقية لأهلها لا الشكلية التي تكون وسيلة لرأي مُسبَّق؛ فيقع الاضطراب، وتكثر المواقف المختلفة عنهم فيقع الناس في حيص بيص، وإني لأعجب من بعض المُكثرين من الفتاوى، كيف يفعلون ذلك!!؟ ويزعمون أنهم درسوا المسألة من كل نواحيها، وهي في غالبها بحاجة لبحث أشمل وأعمق، يجمع بين عُمق القول المفتى به واقعيته في المجتمع، وهذا لا يتحقق فيها غالباً؛ فهي بين التَّشديد في غير محلِّه، والتسهيل الذي جاوز محله.
يحدثونك عنها، وهي: في قوله تعالى:" وشاورهم في الأمر"، أي: في كل أمر يحتاج إلى مشورة، والمشورة لها موضوعها، وأهلها، ومجالاتها تُحدد اختيارهم، هذا الطرح لضمان استقرار المجتمع باستقرار قدواته ودعاته، ولعل الحاجة إلى هذا الكلام أنَّ العلماء قديماً مرت بهم أزمات كثيرة، ومع ذلك لم يتوقفوا عن النصيحة لكل مسلم في كل مجال.
سلمكم الله، والحمد لله رب العالمين،،،
الدكتور/ صادق قنديل
٣٠/٨/٢٠٢٠م