رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا
الرسالة الثانية عشرة: « وقفات مع كورونا .. الطب ثلث العلم»
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أما بعد:
لقد كرّم الله جل وعلا الإنسان، وفضّله على غيره من الكائنات، وسخّر له جميع ما في الكون من المخلوقات، لأنه بلا ريب مقصد رسالة الإسلام، ومن المُحتم أن تأتي توجيهات الإسلام لتحفظ للإنسان هذه الكرامة في روحه وبدنه.
ومن أبرز هذه التعاليم التي نتوقف عندها في هذه الرسالة، هو الاهتمام بعلم الطب، ذلك العلم الذي نلمس جليًا أهميته وضرورته، ومركزية تأثيره، ونحن نعيش جائحة كورونا التي تضرب أطنابها في كل مكان، فتشرئب الأعناق إلى الأطباء والعلماء، علّهم يجدون لقاحًا أو علاجًا لهذا الفيروس الخطير.
ولا شك أن الطب من أشرف العلوم وأجلها، وهو من أبواب البر والإحسان إلى الناس، وحسبه أنه يتعرض لنيل الفضيلة المذكورة في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].
وقد نُقل عن الإمام الذهبي أنه قال: «لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام، أنبل من الطب، إلا أن أَهل الكِتاب قد غلبونا عليه»، وذُكر كذلك عن الإمام الشافعي أنه كان يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: «ضيعوا ثلث العلم».
ولقد أشار النبي ﷺ إلى هذا المعنى، وحثنا على التداوي، فقال ﷺ كما روى أسامة بن شريك: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاِّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الـْهَرَمُ». وفي رواية: «السأم» بمعنى الموت.
فالموت فقط ليس له علاج، أما باقي الأمراض فيتقرر بها إثبات الأسباب والمسببات، فكما أن الجوع والعطش يزولان بالطعام والشراب، جعل الله الأدوية أسباباً لشفاء المرض، ولا يخفى على ذي لُبٍ أن التداوي بحاجة إلى علم وأصول هي علوم الطب المتنوعة، وتخصصاته المختلفة، بل إن النبي ﷺ وجهنا إلى ضرورة تحري الطبيب الماهر المتقن، فإن الطبيب المتميز في تخصصه أقرب إلى الإصابة والدقة في العلاج.
وفي "الموطأ" أن رجلاً من الصحابة أصيب بجرح فاحتقن الدم، فدعا النبي ﷺ رجلَين من بني أنمار، فنظر إليهما فسألهما: «أيكما أطب؟» فاستنبط العلماء من هذا الحديث، ضرورة التحري والبحث عن الطبيب الأفضل والأمهر.
ثم إنك تقف على لفتة نبوية حازمة تُجاه الذين يستهترون بأرواح البشر، من الذين يظهرون تعالمًا في تخصصٍ طبي معين، وهم ليسوا من أهل التخصص، بُغية جلب المال أو الشهرة، فحمَّلهم مسؤولية أخطائهم في التشخيص والعلاج؛ يقول رسول الله ﷺ: «مَن تطبَّب ولم يُعلم منه طبٌّ فهو ضامن» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه].
فإذا طبَّب غير مختص ومن ليس عنده علم، في علاج بطنٍ أو رأسٍ أو غيرها، ومات المريض بسبب ذلك، أو تعطَّل العضو بسببه: فهو ضامنٌ؛ لما حصل بسببه من التَّلف أو التَّعطل، ظالمًا مُستحقًّا للعقوبة.
فهذه الشريعة حافظة لصحة الإنسان وصلاحها، ودافعة للآفات عنها، وعلوم الطب -وغيرها من العلوم النافعة- يَتعبَدُ الإنسان بها ربه، ويحرز فيها نفعًا دينيًا ودنيويًا.
ختامًا:
نبرق بالتحية والتقدير، والثناء والتبجيل إلى الدارسين، والعاملين في السلك الطبي والصحي، ذاك أنهم خط الدفاع الأول عنا في مواجهة هذه الجائحة، وهم يواصلون الليل بالنهار لإدارة الأزمة.
ونسأل الله عز وجل أن يبارك لهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وأن يجزيهم خيرًا، وأن يحفظهم من كل سوء، إنه ولي ذلك ومولاه.
كتبه: م. أمجد غازي مزيد | خطيب وداعية بمديرية أوقاف الوسطى.
مع تحيات | الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
السبت: 17. محرم 1442 هـ / الموافق: 2020/9/5 م