هل فيروس كورونا جندي من جند الله تعالى؟

رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا..

الرسالة الرابعة عشرة: «هل فيروس كورونا جندي من جند الله تعالى؟»

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ. أما بعد:

فأعتقد أن هذه القضية ليست قضية أساسية يشغل بعض الباحثين أنفسهم بها، فقد يطلق على العذاب آية، وقد يطلق عليه جندي؛ والله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح:4].

فالآية تعمّ خلق الله كله، فهم مسخرون لإنفاذ أوامر الله عز وجل.

وجنود الله على نوعين: جنود رحمة، وجنود عذاب.

فيسخِّر الله بعض مخلوقاته لنصرة أوليائه، ويسخِّر أخرى لتأديب أعدائه.

فالريح جندي، مرة أرسله الله رحمة للمؤمنين، فنصرهم به في غزوة الأحزاب، ومرة أرسله على بعض الأمم كعاد عذبهم به.

ومن جند الله تعالى الطاعون أو كورونا، حيث إن الله ذكره مرة عذابًا على أمة كبني إسرائيل وفي الحديث أن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، سأل أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا؛ فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لاَ يُخْرِجْكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ» [رواه البخاري].

وذكره مرة رحمة وشهادة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ» [رواه البخاري].

وفي تفسير قوله جل شأنه: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ:9]، قال قتادة رحمه الله: (إن يشأ يعذِّب بسمائه فعل، وإن يشأ يعذِّب بأرضه فعل، وكل خلقه له جند).

وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [محمد:4]، قال قتادة: (إي والله بجنوده الكثيرة، كلّ خلقه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندًا).

وكان الحسن رضي الله عنه يقول: (إن الزبد -وهو ما يعلو

الماء أو اللبن ونحوهما من الرغوة- لمن جنود الله، إن في ذلك لآيات لكل عبد منيب) [تفسير الطبري (35/147)؛ تفسير ابن أبي حاتم الرازي (10/23)].

وقال بعض المفسرين جند الله في السماء الملائكة، وفي الأرض المؤمنون، وهذا حق غير أنه من باب التمثيل لا الحصر.

قال ابن عطية: (وهذا بعض من كل). أي أن جند الله أعم. المحرر الوجيز (5/113).

 فجنود السموات: هم الملائكة؛ وجنود الأرض: جميع المخلوقات. (وقيل جنود السموات مثل الصاعقة والصيحة والحجارة وجنود الأرض مثل الزلال والخسف والغرق ونحو ذلك) [تفسير الخازن (6/189)].

وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: «الْمَاءُ وَالرِّيحُ جُنْدَانِ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرِّيحُ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» [رواه الشيخ الأصبهاني].

ومن جند الله تعالى ما يسلطه الله على خلقه ابتلاءً أو تأديبا، كالجراد، فعَنْ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ جُنْدُ اللهِ الْأَعْظَمِ» [رواه الطبراني بسند صحيح].

ومن الجند القمل والضفادع التي سلطها الله على قوم فرعون، ومنها الطير الأبابيل ومنها البعوض وأشياء كثيرة.

وبناءً على ما تقدم ذكره من أدلة يتبين أنه لا مانع من إطلاق لفظ الجندي على وباء وفيروس كورونا؛ لأنه مخلوق من خلق الله يسلطه على من يشاء ويرفعه متى شاء، وَفق حكمته.

وإذا وقع هذا الوباء على مؤمن فصبر أُجر عليه، وإذا اكتشف له لقاح فلا يخرج عن علم الله وإرادته، والله رحيم لا يريد تعذيب خلقه، وإنما يريد تربيتهم وهذه حكمته.

والله تعالى أعلى وأعلم.

كتبه: الشيخ/ عبد الباري بن محمد خلة | مفتي محافظة الشمال.

مع تحيات|

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف.

الأربعاء: 21. محرم 1442 هـ

الموافق: 2020/9/9 م