المسؤولية المجتمعية في الأزمات «مسؤولية الأسرة»

رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا..

الرسالة الخامسة عشرة: المسؤولية المجتمعية في الأزمات «مسؤولية الأسرة»

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أما بعد:

لقد جاء الإسلامُ والعلاقاتُ الأسريَّة في فوضى وانحلال فأراد إنقاذَ البشرية من هذا السوء؛ لذا جعل الإسلام الأسرةَ هي وحدةَ بناء المجتمع، وأحاطها بسياجٍ كبير من التشريعات التي تضمن لها الجديةَ والنجاح.

وإنّ المجتمع يتكوّن من دوائر متعدّدة، تبدأ من الفرد فالأسرة فالمجتمع، ولا تستقيم الحياة إذا لم تأخذ كلّ دائرة حقوقها وتؤدّي واجباتها، فالفرد بصفته منطلقًا ونواة للأسرة والمجتمع ينبغي أن يدرك واجباته وأبعاد مسؤوليّته، وذلك في حدود المسؤوليّة الشّخصيّة تجاه نفسه وخالقه، ثمّ تأتي بعد ذلك مسؤوليّة أعمّ يتحمّلها الفرد تجاه الأسرة والعائلة التي ينتمي إليها، ثمّ مسؤوليّة تشمل المجتمع، وما من خطأ يقع في أيّ مستوى من المستويات إلاّ والفرد مسؤول عنه بدرجة أو أخرى.

لذلك نجد القرآن الكريم يحذّرنا من آثار الإهمال في شؤون الأسرة، ويذكّرنا بأنّ الأولاد امتحان للإنسان وابتلاء، يقول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فالعلاقة بين الآباء والأبناء حسّاسة ومهمّة جدّا، فالولد امتداد لأصله وأسرته، فإن كان صالحًا نال الجميع الحمد والثّناء، وإن كان غير ذلك فإنّ الأسرة تتحمّل قسطًا من آثار سوئه، لذلك كان التّحذير القرآنيّ شديدًا يسهم في تحصين المجتمع من مصادر الخلل في تكوين أفراده.

وتتجلى هذه المسؤولية وقت الأزمات كالتي نعيشها هذه الأيام في ظل جائحة كورونا، وفي ظل الساعات الطويلة التي يقضيها أفراد الأسرة بعضهم مع بعض، فقد حرص الإسلام على صياغة أسس تجنّب الأسرة من احتمالات الخلل في تكوين أفرادها، قال رسول الله ﷺ: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" [متفق عليه].

القدوة الحسنة والنّموذج الطّيّب أبلغ في التّربية والتّأثير:

إنّ السّلوك المستقيم ومنهج التّعامل مع أفراد الأسرة هو الجانب الأهمّ في المسؤوليّة الأسريّة، وهو الأعمق أثرًا من النّصح والتّوجيه، والخلق الحسن والأدب في التّعامل هو أهمّ ما يعطي الأب لولده، ورد عن رسول الله ﷺ أنّه قال:* "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ"* [رواه الترمذي]، ومن الأدب الحسن حسن اللّفظ والكلام في الأسرة ومع الأولاد.

وممّا ينبغي أن نتنبّه إليه أنّ مسؤوليّة الفرد تجاه أسرته لا تقتصر على الأمور المادّيّة وتبعاتها، إنّما هي مسؤوليّة بناء إنسان وتكوين شخصيّة، وتعزيز ثقافة الانضباط والالتزام بالتعليمات التي من شأنها أن تحفظ للأسرة بقاءها دون التعرض إلى الهلاك.

وإنّ من أهمّ المسؤوليّات الأسريّة أن تعلّم أولادك احترام النّظام والقوانين، والالتزام بحفظ الحقوق تجاه الآخرين، فالفوضى وعدم الالتزام بالقواعد المنظّمة لسير المجتمع إنّما تبدأ من الأسرة، والتّربية والنّموذج الصّالح هو مسؤوليّة الوالدين، ومن مسؤوليّة الأب في ظل هذه الظروف وفي ظل الحجر الاضطراري بسبب جائحة كورونا أن يكتشف موهبة ولده، وينمّي له مهارته، ويساعده في تحصيل ما يصبو إليه، فذلك أدعى لنجاحه وأثمر لعطائه في المجتمع، فالتّفكير بمستقبل الطّفل من مسؤوليّة والديه، في ضوء ما يمتلكه الطّفل من مهارات وتتّجه إليه نفسه من تعليم أو عمل.

كلّنا يعلم الواجبات الأسريّة:

لقد أصبحت الواجبات الأسريّة اليوم من الوضوح بمكان، لاسيّما مع وجود وسائل كثيرة لتوعية الأسرة بهذه الواجبات بمختلف نواحيها، كوسائل الإعلام والكتب المتخصّصة في التّربية التي ينبغي على المسؤول عن الأسرة أن يطّلع عليها ويعمّق ثقافته بها، فعلينا أن ندرك ضرورة التّكامل بين هذه الواجبات وأنّها لا تنفصل، وأنّ التّقصير في أيّ جانب ينعكس على الجوانب الأخرى، وأن نعلم أنّ كلّ الواجبات الأسريّة هي واجبات يأمر الإسلام بها ويحضّ عليها، فلو أمرت ولدك بسلوك حسن وعلّمته إيّاه لا يعني أنّك قمت بكلّ واجبك، فهناك واجبات أخرى معلومة ينبغي أن تتابع وأن نحرص عليها.

الله أسأل أن يحفظ أولادنا وبناتنا وأهلنا وأسرنا ومجتمعنا من كل مكروه وسوء..

مع تحيات|

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف.

السبت: 24. محرم 1442 هـ

الموافق: 2020/9/12 م