التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع وقت الأزمات

رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا..

الرسالة الثامنة عشرة: «التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع وقت الأزمات».

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أما بعد:

إن التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع المسلم سمة بارزة له بشكل عام في كل وقت وفي أوقات الشدائد والأزمات بشكل خاص، وقد جاءت النصوص المتوافرة التي تدل على هذا المعنى، فقد نفى رسول الله ﷺ كمال الإيمان عمن يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم، فقال رسول الله ﷺ: «مَا ءَامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وَجارُهُ جائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» [رواه الحاكم، وصححه الألباني].

وقد عد القرآن الكريم الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195].

كما عدّ الكنز وحجب المال عن وظيفته الاجتماعية مدعاةً للعذاب الأليم.

الأسس النفسية للتكافل:

ولقد وضع القرآن الكريم أسساً نفسيةً بالإضافة إلى المادية، لإقامة التكافل الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي. ولعلَّ من أهمِّ الأسس النفسية:

إقامة العلاقات المادية والمعنوية على أساس الأخوّة، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾؛ وربط الإيمان باستشعار حقوق الأخ، كما رتَّب على رابطة الأخوّة الحب؛ فلا يؤمن الإنسان المسلم، ولا ينجو بإيمانه، ما لم يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه ويعيش معه كالبنيان يشد بعضه بعضاً.

وجعل العدل وحفظ الحقوق من قيم الدين الأساسية، بل نُدب إلى عدم الاقتصار على العدل وهو إحقاق الحق، أو إعطاء كلِّ إنسان حقه من دون ظلم، وإنما الارتقاء إلى الإحسان، وهو التنازل له عن بعض الحقوق.

ومن الأسس النفسية أيضاً، الإيثار، وهو عكس الأثرة والأنانية.

والإيثار تفضيل الآخر على النفس، من أجل إشاعة جو العفو والرحمة، وهي الغاية التي جاءت من أجلها الشريعة.

الرسول قدوتنا:

إن المجتمع المسلم هو الذي يُطبَّق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاماً وخلقاً وسلوكاً، وفقاً لما جاء به الكتاب والسنة، واقتداء بالصورة التي طبق بها الإسلام في عهد الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين من بعده.

وعندما يلتزم المجتمع بهذه القاعدة يجد التكامل الاجتماعي مكانه بارزاً في المجتمع بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه خاصة في وقت الشدائد والأزمات، وقد وصف الرسول ﷺ المجتمع المسلم بالجسد الواحد حيث قال ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم].

وفي هذه الأوقات التي نعيش فيها أزمات متعددة أثرت على حياة الناس كان لزاماً على المسلمين أن يستشعروا المعاني السابقة وأن يقفوا بجانب بعضهم البعض حتى يأذن الله بكشف هذه الغمة ورفع هذه الشدة، وأن يكون الأعلى مقاماً قدوة لمن دونه في هذا الباب، وكذا صاحب المسؤولية الأعلى قدوة لصاحب المسؤولية الأدنى.

ومن صور التكافل الاجتماعي:

1. إعفاء أصحاب المحلات التجارية وشرائح المجتمع المختلفة من سائقين وعمال وأصحاب مصالح أخرى من المستحقات المالية اللازمة عليهم للحكومة سواء كان هذا الإعفاء كاملاً أو إعفاء جزئياً.

2. تخفيض أسعار خدمات الكهرباء والماء للمواطنين، وخاصة لمن ليس لهم دخل يكفيهم.

3. صبر الناس بعضهم على بعض بالنسبة لسداد الديون التي بينهم، وخاصة أصحاب البقالات وأصحاب الشقق المؤجرة.

4. أن يتحسس كل مسؤول في منطقته أصحاب الحاجة، وأن يسعى في التخفيف عنهم.

5. أن يتواصل كل مقتدر مع أقاربه وأرحامه ويتفقد أحوالهم وحاجتهم الأقرب فالأقرب.

6. أن يتفقد الجيران بعضهم بعضاً، وأن يعلموا أن هناك أناساً منعهم حياؤهم وعفتهم من إبداء المسألة وإظهار الحاجة، فعلى المسلم أن يكون فطناً دون إحراج إخوانه.

7. على المسلم ألا يسأل من غير حاجة وأن يستعف عما في أيدي الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وأن يؤثر من هو أحوج منه.

8. على التجار الشعور بحال إخوانهم وعدم المغالاة في الأسعار، وأن يقنعوا باليسير من الربح.

9. على الإنسان المقتدر المبادرة لأداء الحقوق التي عليه، وعدم المماطلة بسداد ما عليه بحجة الأوضاع.

10. الصدقة في وقت الشدائد أعظم أجراً منها في وقت الرخاء وهو باب عظيم من أبواب الجهاد، وهو الجهاد بالمال، فليحرص كل مسلم أن يكون باذلاً متصدقاً ولو بالقليل، كذلك لا بأس بتعجيل الزكاة في مثل هذه الظروف من أجل التخفيف عن الناس وسد حاجاتهم.

أسأل الله عز وجل أن يفرج عنا وعن المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كتبه: الشيخ/ د. وائل أحمد الهمص | خطيب وداعية بمديرة أوقاف رفح.

 

مع تحيات|

الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف.

الثلاثاء: 27. محرم 1442 هـ

الموافق: 2020/9/15 م