رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا..
الرسالة الثانية والعشرون: «أجسادنا أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليها».
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أما بعد:
فضَّل الله الإنسان على جميع مخلوقاتهِ، وخلقه بأحسن صورةٍ وخِلقة، وأمره أن يحافظ على جسده، وكلَّفه بتلبية حاجات هذا الجسد ورغباتهِ، وبيَّن أنَّه أمانة يجب المحافظةُ عليها، وسيُسأل عن هذه الأمانة يوم القيامة، فإن أدّاها وصانها فقد فاز برضا الله وفاز بجنتهِ. قال رسول ﷺ: «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ» [رَواه الترمذيُّ، وصححه الألباني].
ولقد بيّن الدين الإسلامي الحنيف جُملةً من الأمورِ الواجب على المسلمِ مراعاتها، والحرص عليها، واعتبرها حقوقاً، لجسد المسلم منها:
المحافظة على نظافته والعناية به، وتحري أسباب الوقاية من الأمراض التي قد تُصيبه إن أهمل جسده، ولم يعتنِ به، وبنظافته. روى عبد الله بن عباس قال رسول اللهِ ﷺ: «طَهِّروا هذه الأجسادَ طهَّرَكم اللهُ فإنَّه ليس مِن عبدٍ يبيتُ طاهرًا إلَّا بات معه في شِعارِه مَلَكٌ لا ينقلِبُ ساعةً مِنَ اللَّيلِ إلَّا قال اللهمَّ اغفِرْ لعبدِك فإنَّه بات طاهرًا» [أخرجه ابن حبان في صحيحه وقواه جمع من العلماء، قال عنه المنذري، وابن حجر: إسناده جيد، وحسنه الألباني].
الاهتمام براحته، وعدم تحميل الجسد ما لا يقوى عليه، حتى إن كان ذلك عبادة يفعلها المسلم تقرّباً لله تعالى لنيل رضاه، والفوز بجنته سبحانه. فعلى المسلم الموازنة بين راحة الجسد، وواجب العبادة، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عبدَ اللهِ، ألم أُخبَرْ أنك تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ»، فقُلْتُ: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال ﷺ: «فلا تَفعَلْ، صُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإن لجسدِك عليك حقًّا، وإن لعينِك عليك حقًّا، وإن لزَوجِك عليك حقًّا، وإن لزَورِك عليك حقًّا، وإن بحَسْبِك أن تصومَ كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، فإن لك بكلِّ حسنةٍ عشْرَ أمثالِها» [رواه البخاري].
عدم إرضاء النفس وإشباع الرغبات بالملذات على حساب الجسد وصحته، وإهدار قوته، كالإفراط في الملذات المحرمة، وإرهاق الجسد بكثرة السهر بالأعمال الشاقة، لإشباع رغبة جمع المال وتوفيره، فهذا حقٌ من أهم الحقوقِ للجسدِ، فعلى المسلم عدم الإفراط أو التفريط في حق الجسد، والاقتصاد في الأمور كلها، قال رسول الله ﷺ: «لن يُنجِّيَ أحدًا منكم عملُه»، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال ﷺ: «ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ برحمةٍ، سدِّدوا وقارِبوا، واغدوا وروحوا، وشيءٌ من الدُّلجةِ، والقصدَ القصدَ تبلُغوا» [رواه البخاري].
ومن حق الجسد على المسلم فعل ما يقوّيه ويساعده على توفير الطاقة له، كممارسة الرياضة بأنواعها، ومراعاة أنواع الرياضة التي تناسب كل شخص، ليحافظ المسلم على جسده، ويكون بعيداً عن الأمراض والهُزال.
والآيات الواردة في كتاب الله تعالى التي تحثُّ المسلم على المحافظة على جسدهِ وسلامتهِ مما قد يؤذيهِ، وتحرّم الاعتداء على جسدِ الإنسان، سواءً بالقتلِ، أم بالإيذاء، أم غير ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: ﴿..وَلا تَقتُلوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُم رَحيمًا﴾ [النساء:29].
وقوله تعالى: ﴿..وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ وَأَحسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ﴾ [البقرة:195].
كما دعت الآيات الكريمه إلى الاعتناءِ بالصحةِ، وطهارة الجسد، قال تعالى: ﴿..إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾ [البقرة:222].
وما أحرانا في هذه الأيام التي انتشر فيها الوباء وعم أن نحافظ على أجسادنا بالطهارة والنظافة، والبعد عن أماكن الاحتكاك، ونلتزم بيوتنا ولا نخرج منها إلا للضرورة، لنحافظ على أمانة أجسادنا التي ائتمننا الله إياها.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع تحيات| الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف.
الأحد: 3. صفر 1442 هـ
الموافق: 2020/9/20 م