جولات في الفكر الإسلامي
7 - الصيام تربية لروح الإرادة والمقاومة في الأمة
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [سورة البقرة - الآية:249].
إن النهر لا ينفد ولو عب منه الجنود وكرعوا ولكن النصر لا يتنزل إلا إذا أطاع الجنود وصبروا، والجندي الذي يستعبده بطنه لا ينصره ربه، ولذلك امتحنهم طالوت هذا الامتحان العجيب فسقط جنوده (بنو إسرائيل) ﴿ فشربوا منه إلا قليلاً منهم ﴾ ولكن هذه القلة هي التي ثبتت تنزل عليها النصر، أما عباد البطون فقالوا. ﴿ لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ﴾، أما الذين أطاعوا واقتحموا وقالوا ﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ﴾ ﴿ فهزموهم بإذن الله ﴾.
لذلك لم يكن صدفة أن يُشرع صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة التي أذن الله فيها للمسلمين بالقتال وأن يخوض المسلمون أول معركة فرق الله فيها بين الحق والباطل ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ﴾ [سورة الأنفال - الآية:41].
إن شعبنا وهو يعيش اليوم واقع الحصار والاحتلال المؤلم لهو في حاجة إلى أن يصبر صبر الحر ويتجلد تجلد الكريم، أن يصبر على مقاومة عدوه، ولن يقدر على ذلك إلا إذا تحرر من سلطان البطن وعبادة الشهوات، وقديماً قال سفيان الثوري رضي الله عنه: (من يصبر على الخبز والملح فلن يستعبده الناس).
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه كان يصبح فلا يجد في بيته ما يطعمه فيقول: (إذن فإني صائم)، وروى المحدثون أن معاوية رضي الله عنه أرسل إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ألف درهم، قالوا فوزعتها ليومها وأمست وما عندها من ذلك درهم، فقالت لها خادمتها: يا أم المؤمنين ما استطعت فيما فرقت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه فقالت لها: "يا بنية لو ذكرتني لفعلت".